الشراردة تودع مريم وابنها.. ورغم المآسي ''الحرقة'' ما تزال في البال
تذرف عيناها الدموع.. يداها ترتجفان فوق ركبتيها وسط جموع من النسوة وفدن لمواساتها في مصابها... أمام منزلها الصغير جلست فاطمة البعزاوي تتقبل عزاء ابنتها مريم وحفيدها اللذين توفيا في حادث غرق مركب هجرة غير نظاميّة بسواحل القراطن بقرقنة والذي خلّف 8 قتلى على الأقل.
كانت فاطمة تتقبل العزاء وهي ما تزال مذهولة من هول الصدمة وتجاورها حفيدتها التي كانت على المركب نفسه رفقة والدتها وشقيقها الهالكين. وقد تمكّنت من النجاة بأعجوبة من الغرق بعدما تمسّكت بظهر فتاة كانت ترتدي سترة هوائية و استعانت برجل كان يسبح فوق مياه البحر بواسطة وعاء بلاستيكي إلى أن وصلت النجدة بعد ساعات من السباحة وتمكنوا من الخروج حسب روايتها.
أما والد مريم، وهو من ذوي الاحتياجات الخصوصية فكان جالسا وسط مجموعة من أقاربه وجيرانه تحت خيمة تم تركيزها لتقبل العزاء، في مشهد يعيد إلى ذاكرته قصّة ابنه الذي ما يزال مفقودا منذ 2006 بعد مشاركته في عملية هجرة غير نظامية.
''هروب من واقع مرير''
غادرت مريم دوّار "أولاد السيار" (الشراردة) نحو ولاية سوسة هروبا من الواقع المرير بسبب غياب التنمية بالجهة وبحثا عن عملا تقتات منه برفقة طفليها بعد انفصالها عن زوجها، وتوجّهت إلى ولاية صفاقس للمشاركة في الهجرة غير النظامية بعد أن جمعت مبلغ ماليا لا يتجاوز 5 آلاف دينار آملة في تحسين وضعها الاجتماعي وركبت ليلا المركب رفقة ابنيها الاثنين ضمن مجموعة كبيرة من المهاجرين غير النظاميين.
بعد دقائق من الابحار تسربت مياه البحر إلى المركب نتيجة عدم احترام طاقة الاستيعاب وقدم المركب وعدم صيانته، لتعمّ حالة من الفوضى العارمة حين غرق البعض من بينهم مريم وابنها ونجا آخرون وكانت ابنتها ذات الـ9 سنوات من ضمنهم.
إصرار على الحرقة رغم المآسي
ورغم هول الفاجعة فإن عددا من الأهالي بالمنطقة ما يزالوا مصرين على مواصلة محاولات الهجرة غير النظامية نتيجة فقدان الأمل بالبلاد وارتفاع نسبة البطالة بالجهة وعدم توفر مواطن الشغل وضبابية المستقبل في ظل غلاء المعيشة وعدم وجود مشاريع تنموية حقيقية وفرص للعمل، حسب تصريحهم.
يقول أحمد ''أنا خسرت 14 ألف دينارا بسبب "الحرقة" في مناسبتين ومازلت أحاول طالما أقوم بتوفير ثمن الهجرة سأعيد الكرة إلى أن اتمكن من الوصول إلى أوروبا مثل أبناء منطقتي.
اما المنجي البعزاوي وضّح بأن أغلب الشباب هاجر عن طريق البحر ولا تزال المحاولات متواصلة وتفشت هذه الظاهرة بشكل ملحوظ ومنظم وصل إلى حد هروب عديد العائلات بأكملها نحو أوروبا حالمين بمستقبل أفضل غير مبالين بالمخاطر والماسي.
وتشكّل الهجرة غير النظامية ظاهرة ملفتة بمعتمدية الشراردة، التي تبعد عن مدينة القيروان حوالي 65 كلم، في صفوف الشباب، لكن ''العدوى'' انتشرت في صفوف الأطفال وعائلات بأكملها، حيث غادرت أعداد غفيرة من الأهالي المنطقة تاركين ورائهم اراضي خصبة إلا أنها تفتقر إلى كهربئة الابار الفلاحية.
*خليفة القاسمي